ظلال القصر الزيتون
ظلال القصر الزيتون, |
ظلال القصر الزيتون
كَانَ قَصْرُ الزَّيْتُونْ رَمْزًا لِلْغُمُوضْ فِي مَدِينَةِ النُّورْ. جُدْرَانُهُ الْعَتِيقَةُ وَقِصَصُهُ الْمُرَوِّعَةُ جَعَلَتْ مِنْهُ مَحْظُورًا عَلَى سُكَّانِ الْمَدِينَ ، مُسَيَّجًا بِأَسْوَارٍ عَالِيَّةٍ وَأسَاطِيرٍ أَكْثَرَ ارْتِفَاعًا . لَكِنَّ لِيَّا ، فَتَاةٌ فِي السَّابِعَةَ عَشَرَ مِنْ عُمُرِهَا ، لَمْ تَكُنْ مِنَ النَّوْعِ الَّذِي يَخَافُ مِنَ الظِّلَالْ .
كَانَتْ لِيَّا فَتَاةً مُثَقَّفَةً تُحِبُّ الْكُتُبَ الْقَدِيمَ . فَقَدْ وَرَثَتْ عَنْ جَدِّهَا شَغَفًا بِالْآثَارِ وَالتَّارِيخْ ، وَقَدْ قَرَأَتْ كُلَّ َما اسْتَطَاعَتْ عَنْ قَصْرِ الزَّيْتُونِ وَأَسْرَارِهِ الْمَدْفُونَ . وَعِنْدَمَا عَثَرَتْ عَلَى خَرِيطَةٍ قَدِيمَةٍ فِي أَحَدِ الْمَكْتَبَاتْ ، أَشْعَرَتْهَا بِتَسَارُعِ نَبَضَاتِ قَلْبِهَا .. كَانَتِ الْخَرِيطَةُ تُشِيرُ إِلَى مَمَرَّاتٍ سِرِّيَّةٍ وَكُنُوزٍ مَدْفُونَةٍ دَاخِلَ الْقَصْرِ الْمَهْجُورْ .
قَرَّرَتْ لِيَّا أَنْ تُغَامِرْ . فِي لَيْلَةٍ قَمَرِيَّةٍ مُظْلِمَ ، تَسَلَّلَتْ عَبْرَ السِّيَّاجِ الْعَالِي وَدَخَلَتْ إِلَى الْقَصْرْ . كَانَ الْهَوَاءُ بَارِدًا وَمُحَمَّلًا بِرَائِحَةِ الْعَفَنِ وَالْغُبَارْ . أَنْوَارُ الْقَمَرِ الْمُتَسَلِّلَةُ مِنْ خِلَالِ النَّوَافِذِ الْمُكَسَّرَةِ أَضْفَتْ لَمْسَةً مِنَ الرُّعْبِ عَلَى الْمَشْهَدْ . تَلَاشَتْ خُطُوَاتُ لِيَّا وَسَطَ الصَّمْتِ المُطْبِقْ ، وَالْتَفَتَتْ حَوْلَهَا تَبْحَثُ عَنِ الْمَمَرَّاتِ السِّرِّيَّةِ الَّتِي تَحَدَّثَتْ عَنْهَا الْخَرِيطَة .
أَخَذَتِ الْخَرِيطَةُ عَبْرَ غُرَفٍ مُظْلِمَ ، وَحُجُرَاتٍ مُتْرِبَ . شَعَرَتْ بِالْبَرْدِ يَزِيدُ مَعَ كُلِّ خُطْوَ ، وَكَأَنَّ الْقَصْرَ يُحَاوِلُ طَرْدَهَا . فَجْأَةً ، سَمِعَتْ صَوْتًا غَرِيبًا قَادِمًا مِنْ أَحَدِ الْمَمَرَّاتْ . كَانَ صَوْتًا خَافِتًا ، كَأَنَّهُ هَمْسٌ أَو نَحِيبْ . تَسَارَعَتْ نَبَضَاتُ قَلْبِ لِيَّا ، وَالْتَفَتَتْ حَوْلَهَا بِشَكْلٍ هِسْتِيرِيّْ .
تَقَدَّمَتْ لِيَّا بِبُطْءٍ نَحْوَ مَصْدَرِ الصَّوْتْ . كَانَ الْمَمَرُ ضَيِّقًا وَمُظْلِمًا .. لَمْ تَسْتَطِعْ رُؤْيَةَ شَيْءٍ سِوَى الظَّلَامِ الْكَثِيفِ الَّذِي يَلُفُّهَا . زَادَتْ وَتِيرَةُ الصَّوْتْ ، وَأَصْبَحَتْ نَوْبَاتُ النَّحِيبِ أَكْثَرَ وُضُوحًا . أَخْرَجَتْ لِيَّا هَاتِفَهَا وَصَوَّبَتْ شُعَاعَ الضَّوْءِ عَلَى الْمَمَرِّ الْمُظْلِمْ .
فَجْأَةً ، رَأَتْ إِنْعِكَاسًا غَرِيبًا عَلَى جِدَارِ الْمَمَرّْ . كَانَ نْعِكَاسًا لِشَخْصٍ مَّا ، لَكِنَّهُ كَانَ مُشَوَّهًا، وَكَأَنَّهُ رُوحٌ تُحَاوِلُ الظُّهُورَ مِنَ الظَّلَامْ . صَرَخَتْ لِيَّا مِنَ الْخَوْفْ ، وَأَلْقَتْ هَاتِفَهَا عَلَى الْأَرْضْ . وَانْتَشَرَتْ ظِلَالٌ غَرِيبَةٌ عَلَى الْجُدْرَانْ ، كَمَا لَوْ أَنَّ الْمَمَرَّ بَدَأَ بِالتَّحَرُّكْ .
شَعَرَتْ لِيَّا بِيَدٍ بَارِدَةٍ تُمْسِكُ بِكَتِفِهَا ، وَلْتَفَتَتْ لِتَجِدَ إِمْرَأَةً عَجُوزَنْ تَقِفُ خَلْفَهَا . كَانَتِ الْمَرْأَةُ تَرْتَدِي ثِيَابًا سَوْدَاءَ ، وَعُيُونُهَا غَائِرَةٌ مُعَبِّرََةٌ عَنْ حُزْنٍ عَمِيقْ . قَالَتِ الْمَرْأَةُ بِصَوْتٍ أَجَشّْ : "أخِيرًا، جِئْتِ . كُنْتِ أَنْتِ الَّتِي تُرِيدِ مَعْرِفَةَ أَسْرَارَ هَذَا الْقَصْر ."
لَمْ تَسْتَطِعْ لِيَّا الْفَهْمْ . مَنْ تَكُونُ هَذِهِ الْمَرْأَة؟ وَمَا هِي أَسْرَارُ الْقَصْرِ الَّتِي تُرِيدُ كَشْفَهَا؟ بَدَأَتْ لِيَّا تَشُكُّ فِي كُلِّ مَا قَرَأَتْهُ عَنِ الْقَصْرْ، وَكُلُّ مَا عَرَفَتْهُ عَنْ تَارِيخِهْ ، هَلْ كَانَتِ الْخَرِيطَةُ خُدْعَ؟ أَمْ أَنَّهَا كَانَتْ جُزْءًا مِنْ لُّغْزٍ أَكْبَرْ؟
لَمْ تَكُنْ لِيَّا تَعْلَمْ بِأَنَّ مُغَامَرَتَهَا فِي قَصْرِ الزَّيْتُونْ قَدْ أَدْخَلَتْهَا فِي دَوَّامَةٍ مِنَ الْأَلْغَازِ وَالْغُمُوضْ ، دَوَّامَةٍ سَتُغَيِّرُ حَيَاتَهَا لِلْأَبَدْ .
ليست هناك تعليقات